X

الإخبارية المستقلة لولاية تيبازة

أخبار الجزائر على مدار اليوم

 

في الذكرى المائوية لميلاده يدعو السكان للدعاء له بالشفاء: ذاكرة مدينة شرشال “عبد الرحمن قاضي” يتحسّر على زوال التاريخ العريق للمنطقة

kadi-cherchell

عبد الرحمن قاضي…فعله الماضي القريب تعلقه بحرفته التي وقع في حبها مأسورا (جزار)، ليستفيق مجبرا على وقع ابتعاده عنها قصرا، والحائل …ضعف بعد قوة جعله يطفئ شمعته المائة عام هذا الأحد 18 سبتمبر ومن مواليد 1916، في مشهد بهيج اجتمع فيه أفراد عائلته و أصدقائه داعين المولى عز وجل أن يرزقه الشفاء العاجل ويديم عليه نعمة الصحة، باعتباره واحدا من أكبر المعمّرين على مستوى ولاية تيبازة.

أن تحرك القلم في وصفه فهو موسوعة ثقافية علمية خانها النسيان، إلا أن لسانه لا يزال يتحرك سردا لواقع شرشال بين الحاضر والماضي، مستذكرا الأيام الجميلة التي كان فيها يرقص على أنغام شبابه !، فاتحا قلبه لشرشال نيوز واضعا النقاط على الحروف ومتحسرا لزوال عادات وتقاليد رحلت في سكون وبقيت ذاكرته تدور إلى الوراء استذكارا، للمناسبات الدينية والوطنية والتي أثبت من خلالها وجوده كمجاهد عاش فترة الاستعمار والاستقلال، وكمواطن رفع بطاقة الناخب تجسيدا ووفاء للانتخاب في كل الظروف، وعينه على اختيار الأفضل لخدمة الوطن والمواطن وبينهما أمل في بقاء الحال على ما هو عليه، إلا أراد أن يفتتح كلامه قائلا “شرشال زمان كانت مليحة و لكن في الوقت الحالي كل شيء تبدل”.

kadi-cherchell3

حكايته مع اللحوم الحمراء كانت المبتدأ حين امتهن حرفة بيعها في سن مبكر(15-16 سنة)، فكان حريصا على تعليمها لبعض أبنائه الذين أرادوا السير على خطاه، ليقضي جل حياته تحت رداء مهنة أحبها منذ الصغر، في محل معروف لدى العام والخاص بالسوق البلدي بشرشال، مطلقا الدراسة بالثلاث رغم إصرار والده للعودة واستكمال مراحله التعليمية، مكتفيا بشهادة بحرية تحصّل عليها عام 2005، مع تسجيل اتخاذه للدراجة كوسيلة لقضاء حاجاته المنزلية و الضرورية، “لقد تعلمت هذه الحرفة مع والدي و إخوتي وكان عمري 19 سنة عندما اشتريت المحل….حتى فرسنا لم تكن تمتلك سوقا مثل الذي كان بشرشال”

هي لوحة فنية تلك التي رسمها أبناء ..أحفاد و أصدقاء أرادوا الالتفاف حول عبد الرحمن قاضي بمنزله في حي تيزيرين، الذي يعتبرونه مكتبة أو بالأحرى مجلدا لا يزال يحتفظ بذكريات تاريخية، أراد من خلالها تذكير نفسه وإياهم بالدور الكبير الذي قام به الشعب الجزائري لطرد الاستعمار الفرنسي، مؤكدا أن فرحته لم يستطع وصفها سنة 1962 إذانا ببداية عهد جديد بعيدا عن الظلم والاضطهاد بشعار “ما اخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، “عند اندلاع الثورة التحريرية كان في عمري 38 سنة، الاستعمار الفرنسي لم يتمكن من الشعب الجزائري لأننا كنا متحدين فيما بيننا، لقد حاولت تشتيتنا بشتى الطرق لكن بذكائنا استطعنا إخراجها من أرضنا، القادة الفرنسيون كانوا يخافون مني لأني أحسن الكلام والتصرف”.

 قال لابنه البالغ من العمر 64 سنة “مازال راك صغير يا وليدي !!

kadi-cherchell2

عدد أبنائه 12 فردا مقسمين بين الذكور والإناث وبينهما موت خطف اثنين منهم مقلصا العدد إلى عشرة، وهنا…ظهرت عليه ملامح روح الدعابة والطرافة مع احد أبنائه “يوسف” والبالغ من العمر 64 عاما، مطمئنا إياه في كلمة واضحة ومختصرة “مازال راك صغير يا وليدي !!”، في وقت كان ينتظر أن يقول له “طاب جنانك !”، فكان يجمع في حديثه بين أمل شفائه وألم سكن أعضاء جسمه المنهك، إلا أن لسانه السلس ردّد مرارا وتكرارا “المهم الإنسان يكون مهني وبصحتوا”، مثنيا على فلذات أكباده الذي أمطرهم بوابل من الأدعية بشعار “راني راضي عليكوم دنيا و آخرة”.

واصل ذات المتحدث حديثه الشيق لشرشال نيوز في أمسية جعلته يحس بكثير من الاهتمام، مغتنما الفرصة لتوجيه رسالة إلى السلطات المحلية، “أنا شخصيا لا أعرف رئيس البلدية، وأتمنى أن تكون هناك التفاتة طيبة من طرف المسؤولين تجاه من أطال الله في عمرهم، لأنهم بمثابة ذاكرة المدينة وتاريخها العريق، و محاولة تقديم كل الإحصائيات والأرقام المتعلقة بهذه الشريحة، للأسف الشديد العقلية تبدلت و تغيرت.

 “بصراحة….أصبحنا غرباء في هذه المدينة “

صاحب المائة عام أراد التحدث بلسان كل مواطن شرشالي قائلا “بصراحة …أصبحنا غرباء في هذه المدينة”، مستدلا حديثه بمقارنة بين تاريخ مجيد مليئ بالانتصارات و محافظ على العادات والتقاليد، وجيل لم يتردد في نكرانه وعدم الانتساب إليه، “من يقول بأن فرنسا هي من قدمت الاستقلال للجزائر فهو خائن، والجيل الحالي ضيع العادات والتقاليد واحتفظ بما لا ينفع، أين هو لباس الحايك الذي يعتبر عنوانا للحرمة والحشمة والوقار؟ أين هي الأجواء الرائعة التي كانت تعيشها الساحة العمومية بالمدينة؟

       كنّا نحتفل بالمولد النبوي بطريقة استثنائية ووجهتنا المنارة وضريح سيدي ابراهم الغبريني

عاد عبد الرحمن قاضي ليتذكر تلك الأجواء التي كانت تشهدها مدينة شرشال بمناسبة المولد النبوي الشريف، معرجا على المنارة معتبرا إياها رمزا من رموز الحضارة الإسلامية، لتكون وجهتهم بعدها ضريح سيدي إبراهيم الغبرني، وقبلها تحضيرات مسبقة لليلة قال عنها ليست ككل الليالي خاصة وأنها تعرف حضور مداحين لإحياء هذه الذكرى.

هو الشخص الذي اعتمر في العديد من المرات و حج بيت الله الحرام سنة 1988 رفقة والدته، ويتمنى شفاء عاجلا وفرصة للعودة إلى أطهر مكان على وجه الأرض، مختتما حديثه بكلمات تحسر فيها عن أيام خطفها النسيان من ذاكرته، مبديا اشتياقه للخروج والجلوس عند مقهى “ولهندي” بعدما وقفت صحته مؤخرا حائلا أمام ذلك، شاكرا الجميع على وقوفهم لجانبه خاصة الأبناء، معتبرا زيارتنا إلى منزله بمثابة الحدث بالنسبة له، مجيبا على السؤال الذي طرحناه له حول من يكون الذي تتحدث إليه فأجاب دون تردد: أنت حبيبي (يقصد صحفي شرشال نيوز)، في مشهد أثلج صدور الحاضرين وأنساه للحظات تعبه وصحته المنهكة، داعيا سكان المدينة إلى الدعاء له بالشفاء….فاللّهم اشفه وأطل عمره واشف جميع مرضى المسلمين.

                                                                                                  سيدعلي هرواس