X

الإخبارية المستقلة لولاية تيبازة

أخبار الجزائر على مدار اليوم

 

ولاية شرشال؟؟: التقسيم الإداري الجديد في محكّ الظروف الراهنة والتطلّعات المستقبلية

cherchell_wilaya3

 عَلِمنا من أروقة الأمانة العامة للحكومة بقصر المرادية أنّ شرشال ضمن القائمة الأولية للتقسيم الإداري الجديد، وكانت الفكرة مقترحة منذ أن تبلور التوجّه نحو تقسيم إداري جديد للجمهورية، فمنذ المسودة الأولى كانت شرشال مقترحة لترقّى كولاية منتدبة، ثم أُعيد الملف بأكمله إلى الأدراج. وبعد الإعلان الأخير لرئيس الجمهورية الخاص بهذا التقسيم لا تزال شرشال ضمن الدوائر المعنية به في مرحلة لاحقة للتقسيم الذي سيمسّ عاجلا الصحراء فالهضاب.

تروي العديد من الآراء المتتبّعة للشأن السياسي والإداري أنّ شرشال كانت لترقّى إلى ولاية خلال التقسيم الإداري الأخير سنة 1984 الذي تمخّضت عنه ولاية تيبازة لكن هذا المسعى لم يتمّ وأرجع هؤلاء المتتبّعون لكون شرشال تحتضن الأكاديمية العسكرية التي كانت تحتاج للكثير من الاستقرار والهدوء على محيطها نظرا للمهمة البيداغوجية العسكرية الفريدة التي تقوم بها في تزويد الجزائر بالإطارات العسكرية. فليكن، هذه المهمة لا تزال قائمة إلى حدّ الآن، ولكن هناك تصوّرات جديدة وتوجّهات جديدة للمؤسسة العسكرية منذ 1984 إلى غاية الآن، حيث تفتّحت هذه المؤسسة بشكل كبير، وتوجهاتها نحو الاحترافية يضعها مؤسسة مهنية بكلّ ما تتمتّع به من سيادة وريادة.

والأكاديمية العسكرية بشرشال أخذت هذا المنحى، خصوصا بعد تغيير اسمها من الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة إلى التسمية الحالية فهي تنحو نحو أن تكون جامعة عسكرية بالمفاهيم العصرية للجامعة في سياق أهدافها الإستراتيجية الرامية إلى الحفاظ على وحدة وسلامة التراب الوطني وسيادة الدولة الجزائرية، ما يجعل مهامها في محيطها مهام علمية وتقنية بحتة، لا تتعارض إطلاقا مع تطوّر محيطها الخارجي إداريا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا، بل العكس تماما، فهي منحت شرشال صفة العاصمة العسكرية وصنعت لها تقليد دولة من خلال الزيارة السنوية لرؤساء الجمهورية.

هذه الصفة بدورها تؤهل شرشال للترقية الإدارية، للحفاظ –من جهة- ومن جهة أخرى للاستمرار في الدور التاريخي لها كونها عاصمة قديمة منذ أكثر من واحد وعشرين قرنا. فالبعد التاريخي يلعب دورا جدليا (ديالكتيكيا) لإعادة بعث المدينة وإعطائها المكانة التي يمنحها لها التاريخ الضارب في أعماق حضارات حوض المتوسط والذي بدورها تستمدّ منه تواجدها المعنوي الحقيقي قبل أيّ تواجد إداري أو اجتماعي حالي، فأيّول الفنيقية وسيزريا الرومانية كانت محورا لمنطقة جنوب المتوسط منذ أبعد ما تذهب إليه الذاكرة الوطنية، بل ذاكرة الحضارات المتعاقبة على المنطقة والتي تُعدّ مهدا للحضارة الحالية للإنسانية جمعاء.

كما أنّ الأبعاد الإيثنية للمنطقة ككلّ تصنع تجانسا سوسيوثقافيا يساهم في بلورة المزيد من الفرص الخلاّقة التي ترمي إلى التطوّر والمشاركة ايجابيا في الإفرازات والانتاجات الفكرية التي تحتاجها التوازنات الكلية للبلاد، وحتى التنوّع والاختلاف الحاصل أنتج عبر مراحل وعبر محطات تاريخية تعايشا منسجما مع الأهداف التي طرحتها ضرورات تلك المراحل وتلك المحطات. فالمساهمة التي قدّمتها المنطقة في مرحلة الحركة الوطنية لا يمكن التغاضي عن دورها في زعزعة الرؤية والمنظومة الفكرية للاستعمار، فثورة بني مناصر واحتضان ثورة المقراني ، وقيادة الزعيم أحمد البركاني لقوات الأمير عبد القادر في منطقة التيطري،  والمساهمة السياسية في مختلف تيارات الحركة الوطنية كان لها تأثير كبير في تغيير العديد من المسارات، ناهيك عن الدور الباسل ضمن الولاية التاريخية الرابعة أثناء ثورة التحرير.

أما في منظور الراهن، فإن اختيار السلطات العمومية سواحل المنطقة لبناء أكبر ميناء على حوض البحر الأبيض المتوسط لم يكن اختيارا اعتباطيا أو لعدم توفّر الأماكن عبر  شريط ساحلي طويل، وإنما –ناهيك عن بعد تاريخي يندرج في إطار إعادة تثمين الدور البحري التجاري لشرشال في عهود ماضية- هو إدراك لقدرة المنطقة على بعث حركية اقتصادية لجزء كبير من مناطق داخلية تحتاج إلى ربط ودعم بهياكل لا تتوّفر عليها لطبيعتها الجغرافية. فالبُنى التحتية الجديدة أو التي في طور الانجاز أو قيد الدراسات ستجعل المنطقة في حاجة إلى سلطة إدارية مخوّلة في اتخاذ القرارات المرتبطة بالتنمية عن قرب وعن دراية وإلمام بالحاجيات الملحّة التي تفرضها أيّة احتمالات آنية.

عامل آخر لا يمكن التغاضي عنه، هو أنّ شرشال بحكم أنّها كانت الدائرة الوحيدة في المنطقة لمدة طويلة، وهي الوحيدة التي كانت تتوفّر على المرافق الضرورية لأبناء المنطقة كلّها، استطاعت أن تخلق علاقة ذاتية تجمع سكان المنطقة جميعا، واستطاعت أن تقرّب بينهم وتذيب الكثير من الترسّبات المتراكمة من العهد الاستعماري.

ستحتّم ترقية شرشال على السلطات الجديدة ضرورة تفعيل الطابع الجغرافي المميّز للمنطقة واستغلاله في خلق ديناميكية اقتصادية مبنية على الإمكانيات الطبيعية المتاحة، فالثروة السمكية والفلاحة مَيْزتان تندرجان في إطار واحد هو توفير الغذاء بالحفاظ على عذرية الطبيعة للذهاب نحو بعد اقتصادي ثالث وهو المنتوج السياحي الذي سيكون له طابعا خاصا ومختلفا، وبإمكانه أيضا أن يشكل ثروة حقيقية إذا ما اكتسى هذا المنتوج رؤية خدماتية بعيدة الأمد ومتطلّعة لانتاج ثقافة سياحية ذات قيّم. كما أنّ أرياف المنطقة غير المستغلة بإمكانها أن تكون بديلا لائقا ورائقا للعديد من المناطق التي تشهد اختناقا كبيرا على غرار الشريط الجنوبي للعاصمة، فهذه الأرياف التي تشكّل السفح الشمالي لجبال الظهرة تُعدّ احتياطا عقاريا ليس في مجال الفلاحة فقط، وإنما في شتّى المجالات الحياتية لما تتوفّر عليه من ظروف تسمح بخلق مناطق توسّع عمراني بامتياز أو على الأقل منتجعات سياحية كبرى فريدة من نوعها.

من خلال هذه المعطيات المختزلة وغيرها، لا يُسمح أبدا التفكير في الظروف الراهنة التي تعيق ترقية منطقة بالغة الأهمية، من شأنها أن تكون رابطا مهما من روابط الوحدة الوطنية، وتحمل بعدا توافقيا للاستقرار والاستمرار. فالتذرّع بالمعطى الاقتصادي العالمي الآني والعابر من شأنه أن يفوّت فرصا ثمينة، الجزائرُ في حاجة إليها، فمن الضروري التفكير بمنطق استثماري في مثل هذه الفرص. وحتى إن لم تأخذ صفة المطلب الشعبي فإنّ المنطقة أيضا في حاجة إليها لإزاحة تراكمات وترسّبات تبقى تعيق حتى المشاريع المركزية في المنطقة…

 

حسان خروبي

مؤسس ومدير نشر شرشال نيوز