X

الإخبارية المستقلة لولاية تيبازة

أخبار الجزائر على مدار اليوم

 

هكذا كان رد الجميل بعد سنوات قضتها في تربيتهم ورعايتهم: أبناء يلقون بأمهم إلى الشارع عقوقا وعصيانا بسيدي غيلاس..لم ترهم منذ أكثر من عام..وتدعوهم حرقة لزيارتها والاطمئنان عليها

هي قصة أمّ كبّرت أربعا لوفاة الرحمة في قلوب أبناءها وزوجها…ليحتضنها الشارع مؤخرا ببلدية سيدي غيلاس، بعد سنوات قضتها خدمة لفلذات أكبادها وصولا لتجسيد ملامح الرعاية والتربية لمن وضعت فيهم الأمل مستقبلا من باب بر الوالدين، حلم بخّره عصيان هؤلاء بعيدا عن الإحسان إليها بل كان رد جميلها ممزوجا بكثير من الألم، الحرمان، الإهمال واللامبالاة، لتستفيق مجبرة على تقبل مرارة العيش بمحلات 30 مسكن تساهمي بمدخل المدينة، وسط أجواء متعفّنة فاحت منها رائحة القذارة وافتقدت لأدنى ضروريات الحياة…بمجتمع مسلم لطالما رفع شعار “صلة الأرحام”، في وقت تبنى فيه دور العجزة تحت رداء “الإسلام”.

ظروف صعبة تعيشها خالتي ب.عائشة مؤخرا بسيدي غيلاس مع حلول فصل الشتاء والانخفاض المحسوس لدرجات الحرارة، أمّ حنون كشفت لشرشال نيوز حقيقة ما عاشته تحت سقف منزل وصفته بالجحيم، محمّلة مسؤولية تشتت وحدة أسرتها لزوجها المقصر في حقّها، والحقيقة المرّة أبناء تركوها لعام كامل أو أكثر دون رؤيتها والاطمئنان عليها، وبرصيدها أربعة ذكور جاعت لتشبع بطونهم، ومرضت دفاعا عن صحتهم صغارا، واحتضنتهم بصدرها الدافئ رحمة بأجسادهم الضعيفة، قبل أن تهان عقوقا ورميا إياها لشارع لم يكن يوما رحيما بضحاياه، في مشهد بكت فيه عيونها دموعا وتقطعت أحشائها وهي تستذكر أجمل اللحظات التي قضتها رفقتهم، وتأمل بيوم يزورونها بجحرها الموحش كأضعف الإيمان، ولسانها تحدث إلينا بلغة الحرقة والاشتياق إليهم..داعية إياهم عبر شرشال نيوز  للقدوم إليها عسى أن تظفر بلحظة عناق تعانق فيها من حملتهم تسعة أشهر وهنا على وهن، ليصلها خبر دخول أحدهم إلى مستشفى الأمراض العقلية بالناظور وتريد رغم ذلك الاطمئنان على صحته.

صور رصدناها لأمّ لم تهضم الطريقة التي فارقها بها زوجها وأبناءها، تاركين إياها تتنفس المعاناة برحمها وبمكان مهجور يكتسي حلة الظلام باكرا في غياب الماء والكهرباء، ناهيك عن الوحدة والخوف المتسرب الى قلبها ليلا، يحدث هذا لشخصية اقترنت طاعتها بعد طاعة الخالق سبحانه ونالت الثناء والتقدير بالكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، وعقوقها يؤكد تجرّد العاق من كل أشكال الرحمة تجاه رمز من رموز الحنان، الحب، العطف، الرعاية والاهتمام، والحديث هنا…عن رائعة من روائع خلق الله، ليقال عنها التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، بل تغنى بها عديد الشعراء مقدّمين فضلها عن الأب “العيش ماض فأكرم والديك به…والأمّ أولى بإكرام وإحسان” .

جيل اليوم حطم كل الإحصائيات والأرقام بقطعه لصلة الأرحام، فحدث اليوم مستلهم من مجتمع يعج بالآفات ظلما واحتقارا للأمهات، فالحلم الوحيد لخالتي ب.عائشة هي رؤية أبنائها الذين تخلوا عنها منذ أكثر من سنة، ونفقات المحسنين بالنسبة إليها ثناء وتقدير للباحثين عن الأجر والثواب، فوضعيتها الصعبة مرشحة للتأزم أكثر مع افتقادها لضروريات العيش الكريم، مؤكدة إيمانها الشديد بالقضاء والقدر وأنها لن تسامح زوجها نظير تقصيره في حق أسرته، والأكثر من ذلك لا تعرف إلى اليوم طبيعة علاقتها به، هل هي في ذمته أم أن الطلاق قد حكم بينهما بالفراق، أما رسالتها الأخيرة ونحن نغادر قبرها الذي تعيش فيه، فدعوة لفلذات أكبادها بالهداية “إذا لقيتوا ولادي خبروهم وقولولهم يجو لعندي…عام ماشفتهمش”، باختصار “واخضع لأمك وأرضها …فعقوقها إحدى الكبر”.

سيدعلي.هـ