X

الإخبارية المستقلة لولاية تيبازة

أخبار الجزائر على مدار اليوم

 

المقال الحائز على جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف 2017

فيما اختارته السلطات العمومية لإعادة بعث الاقتصاد الوطني:

تفعيل نظام للإدارة البيئية لمشروع ميناء الوسط بشرشال أساس التنمية المستدامة في المنطقة

تُعوّل السلطات العمومية في الجزائر على مشروع ميناء الوسط لشرشال بالحمدانية كمشروع استراتيجي لإعطاء الاقتصاد الوطني نفَسا جديدا، كونه سيكون أكبر منشأة مينائية على حوض المتوسط، وفي ذات الوقت ستكون لهذا الميناء أهمية قصوى محليا حيث سيُتبع بحركية قوية في منطقة شرشال من خلال فرص العمل الجديدة التي سيمنحها لسكان المنطقة وكذا النشاطات التجارية والمهنية الملحقة بالنشاط المينائي. فممّا لا شكّ فيه أنّه سيكون أهم بنية اقتصادية من شأنها أن تضمن التنمية المُستدامة في المنطقة، إلا أنّ هذه التنمية المُتوخاة لا يمكن أن تتحقّق دون ايجاد استراتيجية للإدارة البيئية ما يستوجب التفكير فيها في مرحلة تشييد الميناء وقبل فوات الآوان.

فالأخطار الايكولوجية متفشية بحكم عدم معالجة النفايات التي تتراكم خصوصا في موسم الاصطياف حيث تعرف المنطقة توافدا كبيرا للمصطافين والزوار، أما ما سيفرزه الميناء من أخطار ايكولوجية فستكون أكبر من ذلك من خلال النشاطات التحويلية والخدماتية الملحقة بعبور السلع، كما يُعدّ الميناء في حدّ ذاته جسما غريبا على الطبيعة في المنطقة حيث ستُستبدل التُربة والأشجار بالإسمنت والحديد، ما يتطلّب البحث عن أنظمة لمنع التلوّث من جهة وللحفاظ على التوازن البيئي من جهة أخرى، فالغطاء الغابي الذي سيمسّه الميناء يُقدّر بـ 199 هكتار حسب تقييم إدارة الغابات لولاية تيبازة.

خلال الثلاثي الثاني من العام الجاري، تقدّم فرع تيبازة للمحافظة الوطنية للساحل، بطلب لتصنيف جبل شنوة كمحمية طبيعية، كونه من أهم جبال الساحل الجزائري التي لا تزال تحافظ على عذريتها ولأهمية هذا الجبل في التنوّع البيئي، ولخصوصية غطائه الذي يحتوي على نباتات فريدة، ناهيك عن كونه الرئة التي تتنفّس بها المنطقة.

مهما كانت نتائج هذا المسعى الذي يقوم به فرع تيبازة للمحافظة الوطنية للساحل فيبقى جبل شنوة معلما طبيعيا وقلعة بيئية مهمة فالدور الذي يلعبه لضمان التوازن البيئي في المنطقة مثله مثل الذي يلعبه اجتماعيا كمركز لتركيبة سوسيولغوية مهمة في التفاعل الاجتماعي بالمنطقة، ما يُلزم العمل على إيجاد سُبل فعالة للحفاظ عليه، ولن يكون ذلك إلا بإسناد المهمة لآلية تتولها سلطة مركزية من شأنها أن تجعل المنطقة واجهة لتطلعات الجزائر المعاصرة، بعد الاختناق الذي تعرفه العاصمة في شتّى المجالات. فالتاريخ يمنح فرصا نادرة لإعادة الاندماج في الأبعاد الحضاريةـ فالحركة المينائية في مدينة شرشال تضرب في عمق 26 قرن مضى منذ عصر “أيول” في مرحلة الفينيقيين في القرن الخامس قبل الميلاد، ومنذ تلك الحقبة التاريخية أصبحت لها أبعادا دولية كأحد أهم المنافذ الأوروبية على إفريقيا وأهم نقطة لعبور السلع وأهم موقع للدفاع. وكانت للرومان، أيضا، الفرصة في القرن الثاني للميلاد لإعادة بعث هذه الحركة المينائية، وبالتالي بعث مدينة شرشال كأحد أقطاب الحضارة الرومانية فكانت عاصمة تباهى بها قياصرة الرومان فاتخذوها قبلة افريقيا التجارية والعسكرية والثقافية.

الفرصة المتاحة اليوم بعد اتخاذ السلطات العمومية قرار إنشاء ميناء الوسط بموقع الحمدانية بشرشال، والذي يحتوي على موقع مصنف باسم الأطلال الرومانية، لا تختلف تماما عن تلك التي منحها التاريخ للرومان قبل 19 قرن خلت، وليس شرطا أن تُسمى عاصمة أو ولاية، لكن الإمكانية مُتاحة بشكل كبير لاستغلال هذه الفرصة التاريخية التي لن تتكرّر بعد التدخل على طبيعة المنطقة وإنشاء الميناء، فكما هو البعد العسكري الذي حوّل أكاديمية شرشال إلى قطب عسكري ليس وطنيا فحسب بل إفريقيا وعربيا مستغلا –في البدء- مدرسة استعمارية لتكوين صف الضباط ليحوّلها إلى جامعة يتخرج منها قادة الدفاع الوطني ورؤساء بعض الدول، يمكن –أيضا- تحويل المنطقة إلى قطب اقتصادي يُوفّر حياة اجتماعية قائمة على الرخاء والسعادة والهناء وهذا لن يكون إلا بإدماج الميناء الجديد بواسطة نظام راشد للإدارة البيئية يسمح للسكان بالتفاعل الايجابي مع حركيته ..

فمما لا شك فيه أن البعد الطبيعي والبيئي في المنطقة يمنح الفرصة لتنمية مستدامة تكون فيه رفاهية الساكنة هي الرابح الأكبر ما سيجعلها تندمج في حركية الميناء بشكل أو بآخرـ فللمحيط البشري لهذه المنشأة المينائية دور مهم في إنجاح وظائفه المتوخاة، ويجب الإشارة إلى الخوف السائد عند طرف من السكان والرفض لدى آخرين، هذه الحالة ناجمة عن التشويه الذي سيسود المنطقة والخسارة الطبيعية التي تتكبّدها، فشاطئ الجزر الثلاث (3ilots) والصخرة البيضاء (rochet blanc) معالم فاعلة في المخيّلة الجماعية لأبناء المنطقة، ما جعل بعضهم يعتبر هذا المشروع بمثابة الخسارة الكبرى التي تلحق بالمنطقة.

أما الجهة الجنوبية لهذا الجبل فتتعرّض باستمرار لتدخلات جائرة للإنسان، حيث عرفت توسّعا عمرانيا هائلا منها فوضوي تمّ بالاستيلاء غير الشرعي على عقارات مهمة، سبقَها اتلاف ثروة غابية تُعدّ بعشرات الهكتارات، ومنها منظّم حيث اتّخذت قرارات غير مدروسة لتشييد مرافق عمومية على أراضي زراعية كانت تُشكّل شريطا واقيا لجبل شنوة مثلما هو الشأن للحي الجديد 554 مسكن بباكورة التابعة لبلدية شرشال، والأخطر من ذلك الاستغلال المنجمي الهمجي حيث يوشك استغلال أحد المحاجر أن يبلغ قمّة الجبل انطلاقا من بلدية الناظور بعدما أتى على آلاف الأشجار. كما سيكون للمناطق اللوجيستيكية للميناء تأثير كبير على الوضع البيئي في المنطقة، ما يتطلّب البحث عن توافق بين مقتضيات المتعاملين مع المنشأة المينائية ومقتضيات الحفاظ على البيئة بالحدّ من التلوث والتقليل من مخلفات عبور السلع والأنشطة والخدمات.

كما أنّ التلوث البحري يشكّل هاجسا كبيرا، آثاره تتجلّى بشكل مباشر على صحة السكان، فالمنطقة البحرية الممتدة من حدود الميناء بواد البلاع مفتوحة إلى غاية مدينتي شرشال وسيدي غيلاس، ما يسمح بانتقال التلوّث إلى شواطئ السباحة وكذا إلى مناطق الصيد الهاوي الذي يُعدّ مصدر رزق العشرات من العائلات، ما يتطلب على سلطة الميناء العمل على ضمان نقل بحري صديق للبيئة، للتقليل من آثار مخلّفات رسو وإقلاع السفن، وكذا أشغال الصيانة والتنظيف التي تترتّب عنها نفايات حساسة.

ومن جهة أخرى، تتوّفر الجزائر في مجالات الحفاظ على البيئة على منظومة قانونية منسجمة، فسواء القانون المتعلّق بحماية البيئة، أو المتعلّق بالنظام العام للغابات أو ما تعلّق بالحفاظ على الصحة وترقيتها وقانون التهيئة العمرانية، وغيرها من نصوص تشريعية تصبّ كلها في ضمان تنمية مستدامة وفق شروط الصحة التي يوفّرها المحيط، فعمل الهيئات المكلّفة بتطبيق القانون ينبغي أن يكون ردعيا وقائيا قبل أن يصبح عقابيا ما يتطلب منها السهر واليقظة لتكون جزءا هاما من نظام إدارة البيئة المحيطة بهذا الميناء الذي سيكون مفتاح الوثبة الاقتصادية للجزائر، كما يتطلّب من سلطة الميناء عند بداية الاستغلال تنظيم ومراقبة مهام المناولة والمتدخلين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعبور المواد سريعة التلف أوالحساسة والخطرة.

لذا فأن كل حفنة تراب أو شجرة يمكن إنقاذها والحفاظ عليها عند إنشاء ميناء الوسط بشرشال ستكون فعاليتها أكبر مما هي عليه الآن، حيث ستكون في مواجهة أطنان الحديد والإسمنت المسلّح الذي سيكسو أرصفة الميناء وكذا التلوّث الناجم عن عمليات شحن وتفريغ وعبور السلع، ما يقتضي إعداد نظام للإدارة البيئية أساسه الحفاظ على الجيوب الغابية المتوفرة لتكون رئة تمنح الحياة لتنمية مستدامة تُنتج الرفاه العمومي لضمان السعادة الاجتماعية…

حسان خروبي