فيما تُعوّل الدولة على غرب ولاية تيبازة كمنطقة توسّع عمراني: شرشال نيوز من وسيلة إعلام محلية إلى أداة مواطنة

 

photo-makal-ta3i

العديد من التجارب الصحفية المحلية كان مآلها الفشل والاندثار منذ خطواتها الأولى، وقد يُرجع الكثير ذلك إلى انعدام الإمكانيات وشحّ الموارد التي تسمح لها بالاستمرار، لكن يبدو أنّ قصور نظرة مؤسسيها كان سببا رئيسا في ذلك الفشل إذ كان النجاح في نظرهم هو محاكاة كبريات الجرائد الوطنية، وبالتالي التوجّه إلى  اهتمامات تتجاوز  الجغرافيا التي تتفاعل معها، فتَحيد عن أهداف التأسيس فتفقد سبب وجودها.

أما الأقسام المحلية للجرائد الوطنية، وإن كان لها تأثير لدى أصحاب القرار ولها القدرة على خلق حالة الخوف لدى المسؤولين المحليين إلا أنها لم تتمكن من خلق جو تفاعلي لأن الهمّ الأساسي لهذه الجرائد هو الحضور في أوسع بُقع الوطن بحثا عن قراء، فمهمتها تتحوّل إلى مهمة موزّع صحف ليس إلا، وكذا بُعد هيئة التحرير وتمركزها في المدن الكبرى خصوصا العاصمة جعلها في هذا الجانب تكون تماما كأية إدارة مركزية تتعامل مع هيئاتها المحلية بما يدعّم أسسها المركزية.

حتمية الانخراط في تكنولوجيات الاعلام والاتصال

الحقيقة أنّ التطور المُذهل للحياة المعاصرة جعل الإعلام يتجاوز مفاهيمه الكلاسيكية، ويأخذ أبعادا جديدة وأدوارا جديدة،  فلم يَعد يقتصر على نشر المعلومات في وسيلة من الوسائل، بل حتى وسائل النشر تعدّدت لتواكب التطور الحاصل في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وبالتالي ازدادت الأوعية الحاملة للمعلومة والناقلة للأخبار. وقد أضفت الوسائل التكنولوجية الحديثة صبغة السرعة في نقل المعلومة إلى أن أضحت تلك التي تنقلها الوسائل الكلاسيكية تصل إلى القارئ كمعلومة ميتة أو مستهلكة، فقد يستفيد القارئ من التحاليل أو التعاليق أكثر مما يستفيد من المعلومة ذاتها، والتأثير هنا يدخل في إطار التوجيه لا الإعلام، هذا إن كانت الوسيلة الإعلامية تمتلك القدرة على التأثير والتوجيه بمصداقيتها وقوة تحاليلها.

من هذه المنطلقات، تحاول شرشال نيوز في طبعتها الالكترونية أن تحدّد أسباب وجودها كوسيلة إعلامية محلية تجمع بين دورها الاتصالي  بنقل المعلومات والأخبار للمواطنين وبين الدور التفاعلي التي تجعل المواطن مساهما في العملية  وبالتالي سيكون شريكا في الفكرة ذاتها، ويعمل على صياغة مفهوم حقيقي للإعلام رابطا إياه بتطلعاته وانشغالاته الحياتية. وبالتالي يتبلور الواجب المهني  الإعلامي الذي لن يكون إلا المساهمة  في تنمية حياة المواطنين، والعمل على إيجاد جو من التوازن والاستقرار، باستغلال كل الإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا الإعلام والاتصال وتوظيفها للتقرّب المستمر والدائم من المواطنين، لأن المهمة الأصيلة لا تقتصر على تغطية رقعة جغرافية وجرد الوقائع التي تحدث بها، بل هي خلق علاقات بين الأفراد والمجموعات التي تتقاطع مصالحها وتثمين دورها وترشيده، وهو فعلا ما تقوم به شرشال نيوز بمحاولة خلق فضاء للعديد من تجارب الجمعيات الخيرية كجمعيتي “ناس الخير شرشال” و”ناس الخير تيبازة” ومختلف جمعيات الرياضات المائية التي تتميّز بها المنطقة، وكذا الفرق الرياضية الأخرى المتعددة.

المساهمة في تنمية المنطقة توجّه مهني وأخلاقي

إن اختيار الرقعة الجغرافية التي تغطيها شرشال نيوز وهي غرب ولاية تيبازة انطلاقا من عاصمة الولاية شرقا إلى أقصى الحدود الغربية لم ينشأ من باب العشوائية أو ضيق النظر، بل يُعتبر استمرارا سليما لحقائق إثنية وموروث تاريخي ضارب في عمق الحضارات المتعاقبة، ومرتبط حاليا بمصالح متعددة أُسرية و إدارية واقتصادية وحاجيات ثقافية تبحث عن تفعيل متماسك مع الهُوية الحقيقية. فالوعي بالمهمة يستلزم التوجّه بعمق نحو المواطن ومرافقته في يومياته، والعمل على ايجاد صيّغ  ننتقل من خلالها إلى إعلام جواري يقترن بمعيشة المواطنين ويلبي حاجياتهم في التعبير وحقهم في الإعلام، بالشكل الذي يسمح لهم الانخراط في مشاريع بناء مستقبل منطقتهم التي تعتبرها السلطات المركزية منطقة توسّع يُعتمد عليها مستقبلا لفكّ الضغط عن العاصمة.

ومن جهة أخرى، كان لزاما أن نعيد صياغة تصوّر للتنمية حتى لا تبقى محصورة في مفهومها الاقتصادي وقياسها في مدى تحقيق المشاريع وانجازها، علينا أن نحشو مفهوم التنمية بتحسين مستوى أداء المواطنين، كي لا تُحصر عملية التنمية في رفع مستوى الدخل أو بتوفير الوسائل الحياتية والمعيشية المختلفة، فأداء المواطنين هو الذي يخلق التوازن في المجتمع، ويمنح القيمة الاجتماعية للانجازات الاقتصادية وإلا ظلّت هياكل وبُنى قائمة على قواعد إسمنتية وحديدية، لا يتعدى دورها قضاء حاجة آنية.

فإن تبني شرشال نيوز مفهوما واسعا وعميقا للتنمية يرتبط بتحسين المستوى الفكري للمواطنين وخلق إحساس حضاري بمحيطهم الذي ترتبط به حياتهم ومصالحهم المعيشية، يجعل دورها الإعلامي لا يقتصر على متابعة مشاريع التنمية بل تحاول إضفاء صبغة اجتماعية وحضارية لهذه المشاريع وتفعيل المواطنين ليُدركوا أنّ الانجازات هي جزء من كيانهم ومن وجودهم مهما كانت درجة الاستفادة منها، وهذا من خلال العمل على تنمية الجوار الذي هو مهمّة أساسية ومبدئية للإعلام المحلي والجواري، والذي يُعدّ  سبب وجوده أصلا. ممّا يحتّم العمل على كسر المفهوم السائد في الذهنيات عن وسائل الإعلام بحيث لا تزال تُعتبر كوسائل أجنبية عنه تَرِدُه من العاصمة بالنسبة للجرائد، أو كذبذبات تلقى عليه  في الهواء من الأعلى بالنسبة للوسائل السمعية البصرية، إن تجاوز هذه النظرة وكسر هذه الذهنية بدأ يؤتي أُكلَه من خلال الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي التي حوّلت القارئ من وضع المتلقي إلى وضع المواطن الصحفي يساهم ليس فقط في نقل المعلومة بل في تحريرها ونشرها والترويج لها… إنها فرصة هائلة.. لطرح الأدوار المنوطة بالمواطنين ليس في الإعلام فقط بل في المساهمة في عملية التنمية ككّل. وقد تعدّى الأمر إلى قيام الكثير  من قراء شرشال نيوز، وفي مناسبات مختلفة وبلديات عديدة إلى طباعة بعض المقالات واستنساخها وتوزيعها. هذا ما يبيّن حاجة المواطنين لوسائل إعلامية قريبة منهم أو بالتالي تصدر عنهم..

السلطات المحلية بين القصور والتردّد

 لكن هنا يُطرح دور المسؤولين المحليين ومدى قدرتهم على استيعاب المعادلة الإعلامية المعاصرة و الرهانات الحقيقية المتوخاة من المشاريع التي يشرفون على انجازها ..

السلطات المحلية، خصوصا المنتخبة منها لم تعِ في مجملها دورها الأساسي، في ظروف تشهد تحوّلات عميقة وسريعة في العلاقات وفي الاحتياجات. وفي الكثير من الأحيان تكون مَكْمن الخلل وسببا له، لانعدام أية نظرة عن دور  الاتصال المؤسساتي،  وضيق نظرتها في التواصل مع المواطنين،  فلا تزال وسيلتها الاتصالية الوحيدة هي تعليق الإعلانات على جدار مقر البلدية للإبلاغ عن اجراءات ما، وفي الكثير من الأحيان يقوم مواطنون باعادة نشر هذه الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي  ما يُبيّن الفارق الحاصل بين السلطات والمواطنين في استغلال الإمكانات المتاحة للاتصال.

كما أنّ النظرة المشحونة بالخصومة بين الصحافة و السلطات لا تزال تسيطر على ذهنية العديد من المسؤولين المحليين الذين يَرون في أية وسيلة إعلامية عدوا لهم فيحاولون اجتناب التعامل معها وإبعادها عن مجالات نشاطاتهم، بل أنّنا لا نكاد نجد بلدية تُنشئُ خلية اتصال ضمن مصالحها أو حتى تعيّن مكلفا بالإعلام والاتصال.

لكن الدور الذي أصبح يقوم به المواطنون بنقل الأخبار وانشغالاتهم وأحيانا تصريحات مسؤولين محليين ونشرها في الأنترنيت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ككتابات أو فيديوهات أحدث هزة في ذهنية المسؤولين ووضعهم أمام حتمية جديدة، وهي التعامل مع واقع جديد كان يبدو افتراضيا لا تتعدى أغراضه التسلية، لكنه أصبح ذا تأثير بالغ نظرا للسرعة التي يتمّ فيها تداول المعلومة، والرقعة التي تغطيها.

إنّ محاولة الاقتراب الجواري تفضي إلى الولوج في المعاناة اليومية للمواطنين مّما يسمح بخلق رابط ذاتي ووجداني بين القارئ ووسيلة الإعلام المحلية، ما يخلق بينهما تواطأ وينتج بينهما ثقة كبيرة لتتحوّل إلى أداة مواطنة يمارس من خلالها  المواطن جزءا من وجوده، لكن ابتعاد السلطات وغياب اتصال مؤسساتي يعيق المعادلة المعاصرة، وبالتالي يعيق حركية المجتمع التي نسعى وتسعى العديد من الجمعيات في مختلف أوجه النشاطات أن ندفعها أماما.

فلا برامج التنمية المحلية ولا القطاعية، ولا مبادرات الأفراد بإمكانها أن تُحدث نقلة نوعية في مستوى الأداء، والرّقي بالحياة العامة، إلا بانخراطها في ديناميكية اتصال واستمرارية تقيها من الانعزال وتُبعدها عن العزلة التي تُهدر جهودها وتُضعف امكانياتها. وبالتالي يبقى اجترار المُستَهلَك هو السمة الغالبة والتي بدورها تعمل على خلق جوّ من اللاجدوى إن لم نقل من الاكتئاب.

فالتنمية الحقيقية هي التي ترافق فيها البرامجَ نظرةٌ تعتمد التنسيق بالوسائط الحديثة لتقنيات الإعلام والاتصال لإبراز القيم الحقيقية للإمكانيات المتوفّرة، وتحيين وتثمين الفرص، وكذا –خصوصا- تثمين قدرات الأفراد وتنميتها بزجّها في الحركية التنموية المعتمِدة على الأسباب الموضوعية والحكامة في التسيير.

حسان خروبي

شرشال 28/09/2013